فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج ابن المنذر وغيره عن مالك بن دينار قال: سالت عكرمة عن الذين في قلوبهم مرض فقال: هم أصحاب الفواحش، وعن عطاء أنه فسرهم بذلك أيضًا، وفي رواية أخرى عنه أنه قال: هو قوم مؤمنون كان في أنفسهم أن يزنوا فالمرض حب الزنا، وإذا فسر المرجفون على ذلك بما سمعت يكون التغاير بين المتعاطفات بالذات أيضًا.
وأخرج ابن سعد عن محمد بن كعب أن الذين في قلوبهم مرض هم المنافقون وهو المعروف في وصفهم.
وأخرج هو أيضًا عن عبيد بن حنين أن الذين في قلوبهم مرض والمرجفون جميعًا هم المنافقون فيكون العطف مع الاتحاد بالذات لتغاير الصفات على حد:
هو الملك القرم وابن الهمام

فكأنه قيل: لئن لم ينته الجامعون بين هذه الصفات القبيحة عن الاتصاف بها المفضي إلى الإيذاء {لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ} أي لندعونك إلى قتالهم وإجلائهم أو فعل ما يضطرهم إلى الجلاء ونحرضك على ذلك يقال: أغراه بكذا إذا دعاه إلى تناوله بالتحريض عليه، وقال الراغب: غرى بكذا أي لهج به ولصق، وأصل ذلك من الغراء وهو ما يلصق به وقد أغريت فلانًا بكذا ألهجت به، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أي لنسلطنك عليهم {ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ} عطف على جواب القسم وثم للتفاوت الرتبي والدلالة على أن الجلاء ومفارقة جوار الرسول صلى الله عليه وسلم أعظم ما يصيبهم وأشده عندهم {فِيهَا} أي في المدينة {إِلاَّ قَلِيلًا} أي زمانًا أو جوارًا قليلًا ريثما يتبين حالهم من الانتهاء وعدمه أو يتلقطون عيالاتهم وأنفسهم.
وفي الآية عليه كما في الانتصاف إشارة إلى أن من توجه عليه إخلاء منزل مملوك للغير بوجه شرعي يمهل ريثما ينتقل بنفسه ومتاعه وعياله برهة من الزمان حتى يتيسر له منزل آخر على حسب الاجتهاد، ونصب {قَلِيلًا} على ما أشرنا إليه على الظرفية أو المصدري، وجوز أن يكون نصبًا على الحال أي إلا قليلين أطلاء، ولا يخفى حاله على ذي تمييز.
وقوله تعالى: {مَّلْعُونِينَ} نصب على الذم أي أذم ملعونين أو على الحال من فاعل {لاَ يُجَاوِرُونَكَ} والاستثناء شامل له عند من يرى جواز نحو ذلك، وقد تقدم الكلام عليه عند قوله تعالى: {إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إلى طَعَامٍ غَيْرَ ناظرين إناه} [الأحزاب: 3 5] وجعل ابن عطية المعنى على الحالية ينتفون ملعونين، وجوز أن يكون حالًا من ضميرهم في قوله تعالى: {أَيْنَمَا ثُقِفُواْ} أي حصروا وظفر بهم، وكأنه على معنى أينما ثقفوا متصفين بما هم عليه {أُخِذُواْ} أي أسروا ومنه الأخيذ للأسير {وَقُتّلُواْ تَقْتِيلًا} أي قتلوا أبلغ قتل.
وقرىء {قاتلوا} بالتخفيف فيكون {تَقْتِيلًا} مصدرًا على غير الصدر.
واعترض على الحالية مما ذكر بأن أداة الشرط لا يعمل ما بعدها فيما قبلها مطلقًا وهذا أحد مذاهب للنحاة في المسألة، ثانيها الجواز مطلقًا، وثالثها جواز تقديم معمول الجواب دون معمول الشرط.
وجوز على تقدير كون {قَلِيلًا} حالًا أن يكون {مَّلْعُونِينَ} بدلًا منه.
وتعقبه أبو حيان بأن البدل بالمشتق قليل ثم قال: والصحيح أن {مَّلْعُونِينَ} صفة لقليل أي إلا قليلين ملعونين ويكون {قَلِيلًا} مستثنى من الواو في {لاَ يُجَاوِرُونَكَ} والجملة الشرطية صفة أيضًا أي مقهورين مغلوبًا عليهم. اهـ. وهو كما ترى.
{سُنَّةَ الله في الذين خَلَوْاْ مِن قَبْلُ} مصدر مؤكد أي سن الله تعالى ذلك في الأمم الماضية سنة وهي قتال الذين يسعون بالفساد بين قوم وإجلائهم عن أوطانهم وقهرهم أينما ثقفوا متصفين بذلك.
{وَلَن تَجِدَ} أيها النبي أو يا من يصح منك الوجدان أبدًا {لِسُنَّةِ الله} لعادته عز وجل المستمرة {تَبْدِيلًا} لابتنائها على أساس الحكمة فلا يبدلها هو جل شأنه وهيهات هيهات أن يقدر غيره سبحانه على تبديلها، ومن سبر أخبار الماضين وقف على أمر عظيم في سوء معاملتهم المفسدين فيما بينهم، وكأن الطباع مجبولة على سوء المعاملة معهم وقهرهم، وفي تفسير الفخر: {وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَبْدِيلًا} أي ليست هذه السنة مثل الحكم الذي يتبدل وينسخ فإن النسخ يكون في الأحكام أما الأفعال والأخبار فلا تنسخ.
وللسدي كلام غريب في الآية لا أظن أن أحدًا قال به.
أخرج ابن أبي حاتم عنه أنه قال فيها: كان النفاس على ثلاثة أوجه: نفاق مثل نفاق عبد الله بن سلول ونظائره كانوا وجوهًا من وجوه الأنصار فكانوا يستحيون أيأتوا الزنا يصونون بذلك أنفسهم وهم المنافقون في الآية، ونفاق الذين في قلوبهم مرض وهم منافقون إن تيسر لهم الزنا عملوه وإن لم يتيسر لم يتبعوه ويهتموا بأمره، ونفاق المرجفين وهم منافقون يكابرون النساء يقتصون أثرهن فيغلبوهن على أنفسهن فيفجرون بهن، وهؤلاء الذين يكابرون النساء {لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ} [الأحزاب: 60] يقول سبحانه لنعلمنك بهم ثم قال تعالى: {مَّلْعُونِينَ} ثم فصلت الآية: {أَيْنَمَا ثُقِفُواْ} يعملون هذا العمل مكابرة النساء {أُخِذُواْ وَقُتّلُواْ تَقْتِيلًا} ثم قال السدي: هذا حكم في القرآن ليس يعمل به لو أن رجلًا وما فوق اقتصوا أثرا امرأة فغلبوها على نفسها ففجروا بها كان الحكم فيهم غير الجلد والرجم وهو أن يؤخذوا فتضرب أعناقهم سنة الله في الذين خلوا من قبل كذلك كان يفعل بمن مضى من الأمم ولن تجد لسنة الله تبديلًا فمن كابر امرأة على نفسها فغلبها فقتل فليس على قاتله دية لأنه يكابر انتهى، والظاهر أنه قد وقع الانتهاء من المنافقين والذين في قلوبهم مرض عما هو المقصود بالنهي وهو ما يستتبعه حالهم من الإيذاء ولم يقع من المرجفين أعني اليهود فوقع القتال والإجلاء لهم.
وفي البحر الظاهر أن المنافقين يعني جميع من ذكر في الآية انتهوا عما كانوا يؤذون به الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وتستر جميعهم وكفوا خوفًا من أن يقع بهم ما وقع القسم عليه وهو الإغراء والإجلاء والقتل.
وحكى ذلك عن الجبائي، وعن أبي مسلم لم ينتهوا وحصل الإغراء بقوله تعالى: {جاهد الكفار والمنافقين} [التوبة: 3 7] وفيه أن الإجلاء والقتل لم يقعا للمنافقين والجهاد في الآية قولي، وقيل: إنهم لم يتركوا ما هم عليه ونهوا عنه جملة ولا نفذ عليهم الوعيد كاملًا ألا ترى إلى إخراجهم من المسجد ونهيه تعالى عن الصلاة عليهم وما نزل في سورة براءة، وزعم بعضهم أنه لم ينته أحد من المذكورين أصلًا ولم ينفذ الوعيد عليهم ففيه دليل على بطلان القول بوجوب نفاذ الوعيد في الآخرة ويكون هذا الوعيد في الآخرة ويكون هذا الوعيد مشروطًا بالمشيئة وفيه من البعد ما فيه. اهـ.

.قال القاسمي:

{لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ} أي: عن نفاقهم: {وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} أي: ضعف إيمان، عن مراودة النساء بالفجور: {وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ} أي: بأخبار السوء اللاتي يفترونها وينشرونها، كمجيء عدو وانهزام سرية، وهكذا مما يكسرون به قلوب المؤمنين، وأصله التحريك، من الرجفة، وهي الزلزلة، يسمى به الخبر المفترى، لكونه خبرًا متزلزلًا غير ثابت، أو لاضطراب قلوب المؤمنين به: {لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ} أي: لنسلطنك عليهم بما يضطرهم إلى الجلاء: {ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا} أي: في المدينة من قوة بأسك عليهم: {إِلَّا قَلِيلًا} أي: زمنًا قليلًا ريثما يستعدون للرحلة: {مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا} أي: مبغضين لله وللخلق، لا يستريحون بالخروج، للصوق اللعنة بهم أينما وجدوا {أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا} أي: أسروا وبولغ في قتلهم لذلتهم وقلتهم، ثم أشار تعالى إلى أن ذلك ليس ببدع، بقوله: {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ} أي: في المفترين والمؤذين الذين مضوا، إذا تمرّدوا على نفاقهم وكفرهم ولم يرجعوا، أن يسلّط عليهم أهل الإيمان فيقهرونهم {وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} أي: لأنه لا يبدلها، أو لا يقدر أحد أن يبدلها.
تنبيهات:
الأول- قال الشهاب: إما أن يراد بالمنافقين والمراض والمرجفين، قوم مخصوصون، ويكون العطف لتغاير الصفات مع اتحاد الذات، على حدّ: إلى الملك القرم وابن الهمام. أو يراد بهم أقوام مختلفون في الذوات والصفات.
فعلى الأول، تكون الأوصاف الثلاثة للمنافقين، وهو الموافق لما عرف من وصفهم بالذين في قلوبهم مرض، كما مرّ في البقرة. والأراجيف بالمدينة أكثرها منهم، لكنه لا يوافق ما ذيل به من الوعيد بالإجلاء والقتل؛ فإنه لم يقع للمنافقين.
وعلى الثاني، هم المنافقون وقوم ضعاف الدين، كأهل الفجور، والمرجفون اليهود الذين كانوا مجاورين لهم بالمدينة، وقد وقع القتال والإجلاء لمن لم ينته منهم، وهم اليهود. انتهى.
الثاني- ذكروا أن معنى قوله تعالى: {أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا} أنهم إذا خرجوا لا ينفكون عن المذلة، ولا يجدون ملجأ. بل أينما يكونون، يطلبون ويؤخذون ويقتلون، وعليه فالجملة خبرية. وانظر هل من مانع أن تكون الجملة دعائية كقوله: {عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ} [التوبة: 98] و[الفتح: 6]، وقوله: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} [الهمزة: 1]، كأنه قيل: أخذهم الله. أي: أهلكهم وقتلهم أبلغ قتل وأشده. ولم أر أحدًا تعرض له، وقد أفاد ابن عطية، أن كل ما كان بلفظ الدعاء من الله تعالى، فإنما هو بمعنى إيجاب الشيء؛ لأن الله لا يدعو على مخلوقاته وهي في قبضته، أي: لاستحالة حقيقة الدعاء وهو الطلب من الغير.
الثالث- في الإكليل: في الآية تحريم الأذى بالإرجاف، وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} هم قوم كانوا يجلسون على الطريق، يكابرون المرأة مكابرة. فنزلت فيهم الآية إلى قوله: {أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا} قال: هذا حكم في القرآن، ليس يعمل به، لو أن رجلا أو أكثر من ذلك اقتصوا أثر امرأة فغلبوها على نفسها ففجروا بها، كان الحكم فيهم غير الجلد والرجم، أن يؤخذوا فتضرب أعناقهم. انتهى.
وهذا وقوف مع وجه تحتمله الآية، كما قدمنا، على أن للحاكم أن يفعل ذلك، إذا رأى في ذلك مصلحة ودرء مفسدة، على قاعدة رعاية المصالح التي هي أم الباب، كما بسط ذلك النجم الطوفي في رسالته وأيدناه بما علقناه عليها.
الرابع- كتب الناصر في الانتصاف على قول الكشاف في قوله: {إلاَّ قَلِيلًا} أي: زمنًا قليلًا ريثما يرتحلون ويتلقطون أنفسهم وعيالاتهم، ما مثاله: فيها إشارة إلى أن من توجه عليه إخلاء منزل مملوك للغير بوجه شرعي، يمهل ريثما ينتقل بنفسه ومتاعه وعياله برهة من الزمان حتى يتحصل له منزل آخر، على حسب الاجتهاد. انتهى. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ}.
انتقال من زَجر قوم عرفوا بأذى الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين والمؤمنات، ومن توعدهم بغضب الله عليهم في الدنيا والآخرة إلى تهديدهم بعقاب في الدنيا يشرعه الله لهم إن هم لم يقلعوا عن ذلك للعلم بأن لا ينفع في أولئك وعيد الآخرة لأنهم لا يؤمنون بالبعث، وأولئك هم المنافقون الذين ابتدىء التعريض بهم من قوله تعالى: {وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله} إلى قوله تعالى: {عظيمًا} [الأحزاب: 53]، ثم من قوله: {إن الذين يؤذون الله ورسوله} إلى قوله: {ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين} [الأحزاب: 57 59].
وصرح هنا بما كُني عنه في الآيات السالفة إذ عبر عنهم بالمنافقين فعلم أن الذين يؤذون الله ورسوله هم المنافقون ومن لُفَّ لِفَّهُم.
و{الذين في قلوبهم مرض} قد ذكرناهم في أول السورة وهم المنطوون على النفاق أو التردد في الإِيمان.
و{المرجفون في المدينة} هم المنافقون، فالأوصاف الثلاثة لشيء واحد، قاله أبو رزين.
وجملة {لئن لم ينته} استئناف ابتدائي.
وحذف مفعول {ينته} لظهوره، أي لم ينتهوا عن أذى الرسول والمؤمنين.
والإِرجاف: إشاعة الأخبار.
وفيه معنى كون الأخبار كاذبة أو مسيئة لأصحابها يعيدونها في المجالس ليطمئن السامعون لها مرة بعد مرة بأنها صادقة لأن الإِشاعة إنما تقصد للترويج بشيء غير واقع أو مما لا يصدَّق به لاشتقاق ذلك من الرجف والرجفَان وهو الاضطراب والتزلزل.
فالمرجفون قوم يتلقون الأخبار فيحدِّثون بها في مجالس ونَوادٍ ويخبرون بها من يسأل ومن لا يسأل.
ومعنى الإِرجاف هنا: أنهم يرجفون بما يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين والمسلمات، ويتحدثون عن سرايا المسلمين فيقولون: هُزموا أو أَسرع فيهم القتل أو نحو ذلك لإِيقاع الشك في نفوس الناس والخوف وسوء ظن بعضهم ببعض.
وهم من المنافقين والذين في قلوبهم مرض وأتباعهم وهم الذين قال الله فيهم {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به} في سورة النساء (83).
فهذه الأوصاف لأصناف من الناس.
وكان أكثر المرجفين من اليهود وليسوا من المؤمنين لأن قوله عقبه: {لنغرينك بهم} لا يساعد أن فيهم مؤمنين.
واللام في {لئن} موطئة للقسم، فالكلام بعدها قسم محذوف.
والتقدير: والله لئن لم ينته.
واللام في {لنغرينك} لام جواب القسم، وجواب القسم دليل على جواب الشرط.
والإِغراء: الحثّ والتحريض على فعل.
ويتعدَّى فعله بحرف على وبالباء، والأكثر أن تعديته ب على تفيد حثًا على الفعل مطلقًا في حدّ ذاته وأن تعديته بالباء تفيد حثًا على الإِيقاع بشخص لأن الباء للملابسة.
فالمغرى عليه ملابس لذات المجرور بالباء، أي واقعًا عليها.
فلا يقال: أغريته به، إذا حرضه على إحسان إليه.
فالمعنى: لنغرينك بعقوبتهم، أي بأن تغري المسلمين بهم كما دل عليه قوله: {أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلًا} فإذا حلّ ذلك بهم انجلوا عن المدينة فائزين بأنفسهم وأموالهم وأهليهم.
واختير عطف جملة {لا يجاورونك} ب {ثم} دون الفاء للدلالة على تراخي انتفاء المجاورة عن الإِغراء بهم تراخي رتبة لأن الخروج من الأوطان أشد على النفوس مما يلحقها من ضر في الأبدان كما قال تعالى: {وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل} [البقرة: 191] أي وفتنة الإِخراج من بلدهم أشد عليهم من القتل.
واستثناء {إلا قليلًا} لتأكيد نفي المجاورة وأنه ليس جاريًا على طريقة المبالغة أي لا يبقون معك في المدينة إلاّ مدة قليلة، وهي ما بين نزول الآية والإِيقاع بهم.
و{قليلًا} صفة لمحذوف دلّ عليه {يجاورونك} أي جوارًا قليلًا، وقلته باعتبار مدة زمنه.
وجعله صاحب الكشاف صفة لزمن محذوف فإن وقوع ضميرهم في حيز النفي يقتضي إفرادهم، وعموم الأشخاص يقتضي عموم أزمانها فيكون منصوبًا على الوصف لاسم الزمان وليس هو ظرفًا.
و{ملعونين} حال مما تضمنه {قليلًا} من معنى الجوار.
فالجوار مصدر يتحمل ضمير صاحبه لأن أصل المصدر أن يضاف إلى فاعله، والتقدير: إلا جوارهم ملعونين.